فصل: كتاب اللَّقِيط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس:

رُوي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من وجد طَعَاما فليأكله وَلَا يُعَرِّفه».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ وَلم يذكر فِيهِ: «وَلَا يعرِّفه» وَلَفظه: «من الْتقط طَعَاما فليأكله» وَهُوَ غَرِيب، لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتاب حديثٍ.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب والتذنيب: هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لَا ذكر لَهُ فِي الْكتب- يَعْنِي: بِلَفْظ الْغَزالِيّ- نعم قد يُوجد فِي كتب الْفِقْه: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ فِيمَن وجد طَعَاما أكله وَلم يعرفهُ» قَالَ: وَالْأَكْثَرُونَ لم ينقلوا فِي الطَّعَام حَدِيثا، وَأخذُوا حكم مَا يفْسد من الطَّعَام من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي ضَالَّة الْغنم: «هِيَ لَك، أَو لأخيك...» الحَدِيث، عَلَى عكس مَا فعل الْغَزالِيّ فِي الْكتاب؛ حَيْثُ جعل الحَدِيث فِي الطَّعَام أصلا، ثمَّ قَالَ: وَفِي مَعْنَاهُ: الشَّاة. وَكَذَا قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي مطلبه: هَذَا الحَدِيث لم أره فِيمَا وقفتُ عَلَيْهِ من كتب أَصْحَابنَا- يَعْنِي: الْفُقَهَاء.

.الحديث السَّابِع:

قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي حَدِيث زيد بن خَالِد: «فَإِن جَاءَ صاحبُها وَإِلَّا فشأنك بهَا» وَلم يفرِّق بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه أول الْبَاب.

.الحديث الثَّامِن:

رُوي «أَن أبي بن كَعْب وَجَدَ صُرة فِيهَا دَنَانِير، فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، فَقَالَ: عرفهَا حولا؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فعَرَفَ عَددهَا ووكاءَها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فاستمتع بهَا- وَكَانَ أُبي عِنْده من المياسير».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: «خرجت أَنا وَزيد بن صوحان وسلمان بن ربيعَة غازين فَوجدت سَوْطًا فَأَخَذته، فَقَالَا لي: دَعه. فَقلت: لَا، وَلَكِنِّي أُعرّفه فَإِن جَاءَ صَاحبه، وَإِلَّا استمتعتُ بِهِ قَالَ: فأبيت عَلَيْهِمَا، فلمَّا رَجعْنَا من غزاتنا قُضي لي أَنِّي حججْت، فَأتيت الْمَدِينَة، فلقيتُ أُبي بن كَعْب فَأَخْبَرته بشأن السَّوْط وبقولهما، فَقَالَ: إِنِّي وجدت صرة فِيهَا مائَة دِينَار عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتيت بهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: عرِّفها حولا. قَالَ: فعرَّفتها فَلم أجد من يعرفهَا، ثمَّ أتَيته، فَقَالَ: عرِّفها حولا فعرفتها فَلم أجد من يعرفهَا، ثمَّ أتيتُه فَقَالَ: عرِّفها حولا فعرَّفتها، فَلم أجد من يعرفهَا فَقَالَ: احفظ عَددهَا ووعاءها ووكاءها؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فاستمتع بهَا. قَالَ: فاستمتعتُ بهَا. فَلَقِيته بعد ذَلِك بِمَكَّة، فَقَالَ: لَا أَدْرِي بِثَلَاثَة أَحْوَال أَو حَول وَاحِد» وَفِي رِوَايَة لَهما: «قَالَ شُعْبَة: فسمعتُه- يَعْنِي: سَلمَة بن كهيل- بعد عشر سِنِين يَقُول: عرفهَا عَاما وَاحِدًا» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن جَاءَ أحد يُخْبِرك بعددها ووعائها ووكائها فأعِطها إِيَّاه» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَإِلَّا فَهِيَ كسبيل مَالِك».
وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي: «لَا أَدَعهُ تَأْكُله السبَاع» يَعْنِي: السَّوْط.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَأَن سَلمَة بن كهيل كَانَ يشك فِيهِ، ثمَّ تذكره فَثَبت عَلَى عَام واحدٍ.
قَالَ: وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي اشْتِرَاط التَّعْرِيف سنة فِي جَوَاز الْأكل أصح وَأكْثر فَهِيَ أولَى، وَنقل القَاضِي أَبُو الطّيب بن الصّباغ عَن ابْن الْمُنْذر أَن الْمُسلمين أَجمعُوا عَلَى أَنه لَا يجب تَعْرِيفهَا ثَلَاثَة أحوالٍ، وَإِنَّمَا يجب حولا وَاحِدًا قَالَ: فَدَلَّ إِجْمَاعهم عَلَى أَن تِلْكَ الرِّوَايَة فِي الثَّلَاث غير صَحِيحَة. وَهَذَا غَرِيب مِنْهُ؛ فَهِيَ ثَابِتَة فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا أسلفتها.

.الحديث التَّاسِع:

«أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله؛ مَا نجد فِي السَّبِيل العامر من اللّقطَة؟ قَالَ: عرِّفها حولا؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا، وَإِلَّا فَهِيَ لَك».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا من حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئل عَن اللّقطَة، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيق الميتاء والقرية الجامعة فعرِّفها سنة؛ فَإِن جَاءَ طالبها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِن لم يَأْتِ فَهِيَ لَك، وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الخراب- يَعْنِي: فَفِيهَا وَفِي الرِّكَاز الخُمس».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من هَذَا الْوَجْه، بِلَفْظ: «سَمِعت رجلا من مزينة يسْأَل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، اللّقطَة فِي السَّبِيل العامر؟ فَقَالَ: عرِّفها حولا، فَإِن وُجِدَ باغيها فأدِّها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك».
وَفِي إِسْنَاد أبي دواد وَأحمد عنعنة ابْن إِسْحَاق.
فَائِدَة: الميتاء: المسلوكة قَدِيما، سُميت بذلك لإتيان النَّاس لَهَا، قَالَه الْمَاوَرْدِيّ، قَالَ: ويُروى: «فِي طَرِيق مأتي» سُمِّي بذلك لإتيان النَّاس إِلَيْهَا. وَعبارَة ابْن الْأَثِير: الميتاء المطروق الَّذِي يَأْتِيهِ الناسُ كثيرا.

.الحديث العَاشِر:

قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فشأنك بهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا تقدم أول الْبَاب من طَرِيق زيد بن خَالِد.

.الحديث الحَادِي عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن هَذَا الْبَلَد حرَّمه الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، لَا يُعضد شوكه، وَلَا يُنفر صَيْده، وَلَا تُلتقط لُقطته، إِلَّا من عرَّفها».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مطولا كَمَا سبق فِي مُحرمَات الْإِحْرَام. قَالَ الرَّافِعِيّ: ويُروى: «لَا تحل لقطته إِلَّا لِمُنْشِد».
قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة خرجها البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور.
فَائِدَة: فِي المنشد قَولَانِ:
أَحدهمَا: قَول أبي عبيد أَنه صَاحبهَا الطَّالِب، والناشد هُوَ الْوَاجِد، أَي لَا يحل أَن يُعْطِيهَا أحدا إِلَّا مَالِكهَا.
وَالثَّانِي: قَول الشَّافِعِي: إِن المنشد الْوَاجِد، والناشد الْمَالِك، أَي وَلَا تحل إِلَّا لمعرف يعرفهَا وَلَا يتملكُها.

.الحديث الثَّانِي عشر:

أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «فَإِن جَاءَ باغيها فَعرف عفاصها ووكاءها فادفعها إِلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث حَمَّاد، ثَنَا سَلمَة بن كهيل، عَن سُوَيْد بن غَفلَة... فَذكر الحَدِيث عَن أُبي بن كَعْب عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللّقطَة قَالَ فِي التَّعْرِيف: «عرفهَا عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة» وَقَالَ: «اعرف عَددهَا ووكاءها ووعاءها واستنفع بهَا؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَعرف عَددهَا ووكاءها فادفعها إِلَيْهِ».
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ يَقُول هَذِه الْكَلِمَة إِلَّا حَمَّاد يَعْنِي: فَعرف عَددهَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد أخرجه مُسلم من حَدِيث بهز عَن حَمَّاد بن سَلمَة، وَهَذِه اللَّفْظَة قد أَتَى بمعناها سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن سُوَيْد بن غَفلَة، عَن أُبي بن كَعْب عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللّقطَة، فَقَالَ: «اعرف عَددهَا ووكاءها ووعاءها؛ فَإِن جَاءَ أحد أخْبرك بعددها ووكائها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فاستمتع بهَا» أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن نمير، عَن الثَّوْريّ، ثمَّ ذكر حَدِيث زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ الَّذِي أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد وَرَبِيعَة، عَن يزِيد مولَى المنبعث عَنهُ، وَلَفظه: «فَإِن جَاءَ باغيها فَعرف عفاصها ووكاءها وعددها: فادفعها إِلَيْهِ» ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حَمَّاد، عَن عبيد الله بن عُمر، عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَمْرو مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا، وَفِيه: «فَإِن جَاءَ صاحبُها فَعرف عَددهَا وعفاصها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك».
قَالَ أَبُو دَاوُد: وهَذِه الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا حَمَّاد بن سَلمَة فِي حَدِيث سَلمَة بن كهيل وَيَحْيَى بن سعيد وَرَبِيعَة وَعبيد الله: «إِن جَاءَ صَاحبهَا فَعرف عفاصها ووكاءها فادفعها إِلَيْهِ» لَيست بمحفوظة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رَوَيْنَاهُ عَن الثَّوْريّ، عَن سَلمَة بن كهيل. ثمَّ قَالَ: وَيُشبه أَن تكون غير مَحْفُوظَة، كَمَا قَالَه أَبُو دَاوُد.

.الحديث الثَّالِث عشر:

رُوي: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عليًّا أَن يغرم الدِّينَار الَّذِي وجده؛ لما جَاءَ صَاحبه».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الْبَاب وَاضحا.
وَذكر الرَّافِعِيّ أثْنَاء الْبَاب أَن الجحش وصغار مَا لَا يُؤْكَل حكمهَا في الْإِمْسَاك وَالْبيع حكم الْمَأْكُول، وَهل يجوز تملُّكه فِي الْحَال؟ فِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: نعم، كَمَا يجوز أكل الْمَأْكُول. وأصحهما: لَا، حَتَّى يعرِّفها سنة كَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ أكل الشَّاة للْحَدِيث. هَذَا لَفظه؛ وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يَقْتَضِي أكلهَا فِي الْحَال.
وَذكر الرافعيُّ فِي الْبَاب من الْآثَار: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَت لَهُ حَظِيرَة يحفظ فِيهَا الضَّوال».
وَهُوَ حسنٌ أَو صحيحٌ، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن ابْن شهَاب، أَنه سَمعه يَقُول: «كَانَ ضوال الْإِبِل فِي زمَان عُمر بن الْخطاب إبِلا مؤبلة تتناتج، لَا يمسُّها أحدٌ، حَتَّى إِذا كَانَ زمَان عُثْمَان بن عَفَّان أَمر بتعريفها ثمَّ تبَاع؛ فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا أُعطي ثمنهَا» مَعْنَى «موثلة»: مُهْملَة.
وَذكر فِيهِ أَيْضا من الْآثَار، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «لَا بَأْس بِمَا دون الدِّرْهَم أَن يستنفع بِهِ» وَهُوَ غَرِيب، لَا يحضرني من خَرَّجه عَنْهَا.

.كتاب اللَّقِيط:

كتاب اللَّقِيط:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْبَعَة آثارٍ:

.أَحدهَا:

عَن سِنِين أبي جميلَة: «أَنه وجد مَنْبُوذًا، فجَاء بِهِ إِلَى عمر بن الْخطاب، فَقَالَ: مَا حملك عَلَى أَخذ هَذِه النَّسمة؟ فَقَالَ: وجدتُها ضائعة فأخذتها. فَقَالَ عريفه: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه رجل صَالح. فَقَالَ: كَذَلِك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: اذْهَبْ فَهُوَ حر، وَلَك وَلَاؤُه، وعلينا نَفَقَته».
هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه تَعْلِيقا فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو جميلَة: وجدت مَنْبُوذًا، فَلَمَّا رَآنِي عمر قَالَ: عَسى الغوبر أبؤسًا. كَأَنَّهُ يتهمني، قَالَ عريفي: إِنَّه رجل صَالح. قَالَ: كَذَلِك، اذْهَبْ وعلينا نَفَقَته.
وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن ابْن شهَاب، عَن أبي جميلَة رجل من بني سليم: «أَنه وجد مَنْبُوذًا فِي زمَان عمر بن الْخطاب، فجَاء بِهِ إِلَى عمر بن الْخطاب، فَقَالَ: مَا حملك عَلَى أَخذ هَذِه النَّسمَة؟ قَالَ: وَجدتهَا ضائعة فأخذتها. فَقَالَ لَهُ عريفي: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه رجل صَالح. فَقَالَ: أَكَذَلِك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: اذْهَبْ...» فَذكره إِلَى آخِره.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك، كَذَلِك قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة وَقَالَ غَيره- يَعْنِي الشَّافِعِي- عَن مَالك: «وَنَفَقَته علينا من بَيت المَال».
قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله: «وَلَك وَلَاؤُه» أَي أجرته وَالْقِيَام بحفظه، فأمَّا الْوَلَاء الْمَعْرُوف فَإِنَّمَا هُوَ للْمُعْتق؛ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق». قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَأَبُو جميلَة رجل مَجْهُول. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد قَالَه الشَّافِعِي أَيْضا فِي كتاب الْوَلَاء، فَإِن ثَبت كَانَ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَاهُ.
قلت: أَبُو جميلَة هَذَا عده ابْن حبَان وَابْن مَنْدَه وَغَيرهمَا فِي الصَّحَابَة، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي من صَحِيحه: أَنه أدْرك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وحَجَّ مَعَه عَام الْفَتْح، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حج مَعَه حجَّة الْوَدَاع. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: رَوَى عَنهُ الزُّهْرِيّ وَزيد بن أسلم.
قلت: وَرَوَى أَيْضا عَن أبي بكر، وعُمرَ أَيْضا.
فَائِدَة: «سُنَين» هَذَا: بسين مُهْملَة مَضْمُومَة، ثمَّ نون مَفْتُوحَة، وَوَقع فِي نُسَخ الرَّافِعِيّ بِالْفَاءِ بدلهَا، وَهُوَ من تَحْرِيف النساخ ثمَّ يَاء مُخَفّفَة، وحُكي تشديدها، ثمَّ نون. و«جَمِيلة»: بِفَتْح الْجِيم، وَكسر الْمِيم.
فَائِدَة ثَانِيَة: اسْم هَذَا العريف: سِنَان، كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي تَعْلِيقه وَقد أوضحت طَرِيق هَذَا الْأَثر وفوائده فِي تخريجي لأحاديث المهذَّب فأغنى عَن ذكره هُنَا؛ فسارع إِلَيْهِ تَجِد مُهمات ونفائس، وَللَّه الْحَمد.

.الْأَثر الثَّانِي:

«أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دَعَاهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل بُلُوغه إِلَى الْإِسْلَام؛ فَأَجَابَهُ».
وَهَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ.
رَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي عبد الله الشَّامي، عَن النجيب بن السّري قَالَ: قَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه في حديثٍ ذكره: «سبقتهم إِلَى الْإِسْلَام قِدمًا غُلَاما، مَا بلغتُ أَوَان حُلُمِى». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا شَائِع فِيمَا بَين النَّاس من قَول عَلّي، إِلَّا أَنه لم يَقع إِلَيْنَا بإسنادٍ يُحتج بِمثلِهِ. قَالَ: وَاخْتلف أهل الْعلم فِي سِنِّه يَوْم أسلم، فَروِيَ عَن عُرْوَة: «أَنه أسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين» وَعَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَمُجاهد: «أَنه كَانَ ابْن عشر» وَعَن شريك: «ابْن إِحْدَى عشرَة» وَعَن الْحسن وَغَيره: «ابْن خمس عشرَة أَو سِتّ عشرَة» وَعَن ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ دفع الرَّايَة إِلَى عَلّي يَوْم بدر وَهُوَ ابْن عشْرين سنة».
وَهَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ووقعة بدر كَانَت بَعْدَمَا قدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ الْمَدِينَة بِسنة وَنصف، وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار مقَامه بِمَكَّة بَعْدَمَا بُعث، فَقيل: عشرا، وَقيل: ثَلَاث عشرَة، وَقيل: خمس عشرَة، فَإِن كَانَت عشرا وَصَحَّ أَن عليًّا كَانَ ابْن عشْرين سنة يَوْم بدر: رَجَعَ سنه يَوْم أسلم إِلَى قريب مِمَّا قَالَه عُرْوَة بن الزبير، وَإِن كَانَت ثَلَاث عشرَة أَو خمس عشرَة فَإلَى أقل من ذَلِك. قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي سنّ عَلّي يَوْم قُتل؛ فَقيل: خمس وسُتُّون، وَقيل: ثَلَاث وسِتُّونَ، وَقيل أقل من ذَلِك، وأشهره: ثَلَاث وَسِتُّونَ عَلَى رَأس أَرْبَعِينَ من مهَاجر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيرجع سِنُّه يَوْم أسلم عَلَى قَول من قَالَ: مكث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة عشرا إِلَى ثَلَاث عشرَة. وَعَلَى قَول من قَالَ ثَلَاث عشرَة؛ إِلَى عشر سِنِين. فَفِي أَكثر الرِّوَايَات كَانَ بلغ من السِّن حِين صَلَّى مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قدرا يحْتَمل أَن يكون احْتَلَمَ فِيهِ وَمَا رُوي من الشِّعر فَيحْتَمل التَّأْوِيل مَعَ ضعف إِسْنَاده، عَلَى أَن الحكم بِصِحَّة قَول الْبَالِغ دون الصَّبِي الْمُمَيز وَقع شَرعه بعد إِسْلَام عَلّي، فإسلامه كَانَ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ إِمَّا لِأَنَّهُ بَقِي حَتَّى وصف الْإِسْلَام بعد بُلُوغه، أَو لِأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خاطبه بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَام، وَغَيره من الصّبيان غير مُخاطَب، أَو لِأَن قَول الصَّبِي الْمُمَيز إِذْ ذَاك كَانَ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ قبل وُرُود الشَّرْع بِغَيْرِهِ، أَو كَانَ قد احْتَلَمَ فَصَارَ بَالغا.
هَذَا وَقد ذهب الْحسن الْبَصْرِيّ وغيرُ وَاحِد فِي رِوَايَة قَتَادَة إِلَى أَن عليًّا أسلم وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة، أَو سِتّ عشرَة سنة، كَمَا مَضَى ذكره. وضعَّف ابْن الْجَوْزِيّ مقَالَة الْحسن هَذِه، قَالَ: فَإِن كَانَ لَهُ يَوْم المبعث ثَمَان سِنِين وعاش بعد المبعث ثَلَاثًا وَعشْرين سنة، وَبَقِي بعد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو الثَّلَاثِينَ، فَهَذِهِ مقاربة السِّتين، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح فِي مِقْدَار عمره.
ثمَّ رَوَى عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: «قُتل عَلّي وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين». قَالَ: وَمَتى قُلْنَا أَنه كَانَ لَهُ يَوْم إِسْلَامه خَمْسَة عشر صَار عمره ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ، وَلم يقل بِهِ أحد.

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه اسْتَشَارَ الصَّحَابَة فِي نَفَقَة اللَّقِيط، فَقَالُوا: فِي بَيت المَال».
وَهَذَا الْأَثر تبع فِي إِيرَاده الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب المهذَّب وَلم أَقف عَلَى من خرجه، وَأثر عمر السالف فِي قَوْله «وَنَفَقَته علينا من بَيت المَال» مُغنِي عَنهُ وَاقْتَضَى كَلَام ابْن الْمُنْذر أَن ذَلِك قَول عَامَّة أهل الْعلم.

.الْأَثر الرَّابِع:

أَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ «الْغُلَام ألحقهُ الْقَافة بالمتنازعين مَعًا: أَيُنسب؟!».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح.
رَوَى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن أنس بن عِيَاض، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن يَحْيَى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب: «أَن رجلَيْنِ تداعيا، فَدَعَا لَهُ عمرُ الْقَافة، فَقَالُوا: لقد اشْتَركَا فِيهِ. فَقَالَ عُمر: وَإِلَى أَيهمَا يُنْسَبُ؟». وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، عَن عمر بِمثل مَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن مطرف بن مَازِن، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عُمر بن الْخطاب؛ بِمثل مَعْنَاهُ ورَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب، عَن أَبِيه قَالَ: «أَتَى رجلَانِ إِلَى عُمر يختصمان فِي غُلَام من أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة، يَقُول هَذَا: هُوَ ابْني. وَيَقُول هَذَا: هُوَ ابْني. فَدَعَا عمر قائفًا من بني المصطلق، فَسَأَلَهُ عَن الْغُلَام، فَنظر إِلَيْهِ المصطلقي وَنظر ثمَّ قَالَ لعمر: قد اشْتَركَا فِيهِ جَمِيعًا. فَقَامَ عمر إِلَيْهِ بِالدرةِ فَضَربهُ بهَا، قَالَ...» فَذكر الحَدِيث. قَالَ: «فَقَالَ عمرُ للغلام: اتبع أَيهمَا شِئْت. فَاتبع الْغُلَام أَحدهمَا. قَالَ عبد الرَّحْمَن: فَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ مُتبعا لأَحَدهمَا يذهب. وَقَالَ عمرُ: قاتلَ اللَّهُ أَخا بني المصطلق». وَفِي رِوَايَة عَن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب: «أَن عمر قَضَى فِي رجلَيْنِ ادَّعيا رجلا، لَا يُدْرَى أَيهمَا أَبوهُ، فَقَالَ عمر: اتبع أَيهمَا شِئْت». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد صحيحٌ مَوْصُول. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن سُلَيْمَان بن يسَار: «أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يُلحق أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة بِمن ادَّعاهم فِي الْإِسْلَام، قَالَ سُلَيْمَان: فَأَتَى رجلَانِ كِلَاهُمَا يدَّعي ولد امْرَأَة، فَدَعَا عمر بن الْخطاب قائفًا فَنظر إِلَيْهِمَا، فَقَالَ الْقَائِف: لقد اشْتَركَا فِيهِ. فَضَربهُ عمر بالدِّرة، ثمَّ قَالَ للْمَرْأَة: أَخْبِرِينِي خبرك. فَقَالَت: كَانَ هَذَا- لأحد الرجلَيْن- يَأْتِيهَا وَهِي فِي إبل أَهلهَا، فَلَا يفارقها حَتَّى يظنّ أَن قد اسْتمرّ بهَا حمل، ثمَّ انْصَرف عَنْهَا، فأهريقت دَمًا، ثمَّ خلف عَلَيْهَا- تَعْنِي: هَذَا الآخر- فَلَا أَدْرِي من أَيهمَا هُوَ. فكبَّر الْقَائِف، فَقَالَ عمر بن الْخطاب للغلام: وَال أَيهمَا شِئْت».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذِه الرِّوَايَة شاهدة لما قبلهَا، وَالله أعلم.

.كتاب الْفَرَائِض:

كتاب الْفَرَائِض:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث:

.أَرْبَعَة وعشْرين حَدِيثا:

.الحديث الأول:

عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تعلَّمُوا الْفَرَائِض وعلمِّوها الناسَ؛ فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض، وَإِن الْعلم سَيُقْبَضُ وَتظهر الْفِتَن، حَتَّى يخْتَلف الِاثْنَان فِي الْفَرِيضَة وَلَا يجدان مَنْ يفصل بَينهمَا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل- فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ وَلَده عبد الله- من حَدِيث أبي الْأَحْوَص عَنهُ، بِلَفْظ: «تعلمُوا الْقُرْآن وعلِّموه، وتعلموا الْفَرَائِض وعلمِّوُها الناسَ؛ فَإِن الْعلم مَقْبُوض، والعِلْم مَرْفُوع، ويوشك أَن يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة وَالْمَسْأَلَة فَلَا يجدان أحدا يخبرهما». وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث شريك عَن عَوْف، عَن سُلَيْمَان بن جَابر، عَن ابْن مَسْعُود، رَفعه: «تعلمُوا الْفَرَائِض وعلِّموها الناسَ، وَإِن الْعلم سَيُقْبض حَتَّى يخْتَلف الِاثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان مَنْ يفصل بَينهمَا».
ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث ابْن الْمُبَارك، عَن عَوْف، قَالَ: بَلغنِي عَن سُلَيْمَان بن جَابر قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تعلَّموا الْفَرَائِض وعلِّموها الناسَ، وتعلَّموا الْعلم وعلِّموه النَّاس؛ فَإِنِّي مَقْبُوض، وَإِن الْعلم سيُقْبَض وَتظهر الْفِتَن، حَتَّى يخْتَلف الِاثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان إنْسَانا يفصلُ بَينهمَا».
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي أُسَامَة، عَن عَوْف، عَن رجل، عَن سُلَيْمَان بن جَابر الهجريّ، عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا بِمَعْنى حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث النَّضر بن شُميل، عَن عَوْف، عَن سُلَيْمَان بِهِ: «تعلمُوا الْفَرَائِض وعلِّموها النَّاس؛ فَإِنِّي امرؤٌ مقبوضٌ، وَإِن الْعلم سَيُقْبض وَتظهر الْفِتَن، حَتَّى يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان مَنْ يفصل بَينهمَا».
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَله عِلّة عَن أبي بكر بن إِسْحَاق- يعْنى: ابْنَ خُزَيْمَة- عَن بشر بن مُوسَى، عَن هَوْذَة بن خَليفَة، عَن عَوْف، عَن رجلٍ، عَن سُلَيْمَان بِهِ سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: «فَلَا يجدان مَنْ يفصل بَينهمَا»، وَلم يذكر: «وَتظهر الْفِتَن».
قَالَ الْحَاكِم: وَإِذا اخْتلفَا فالحكْم للنضر بن شُمَيْل.
يَعْنِي: أَن النَّضر رَوَاهُ عَن عَوْف، عَن سُلَيْمَان، عَن عبد الله بن مَسْعُود، بِإِسْقَاط رجلٍ، قَالَ الْمزي فِي أَطْرَافه: رَوَاهُ عُثْمَان بن الْهَيْثَم الْمُؤَذّن، عَن عَوْف، عَن رجلٍ يُقَال لَهُ: سُلَيْمَان بن جَابر، وَحَدِيث أبي أُسَامَة وهْمٌ. وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْنُ عَسَاكِر فِي أَطْرَافه.
ولمَّا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عَمرو بن حُمران، عَن عَوْف، عَن سُلَيْمَان بن جَابر قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: قَالَ لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعلَّموا الْقُرْآن وعلِّموه الناسَ، وتعلَّموا الْفَرَائِض وعلِّموها الناسَ، وتعلَّموا العِلْم وعلِّموه الناسَ؛ فَإِنِّي امرؤٌ مقبوضٌ، وَإِن الْعلم سَيُقْبض وَتظهر الْفِتَن، حَتَّى يخْتَلف الِاثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان مِنْ يفصل بَينهمَا قَالَ: تَابعه جماعةٌ، وَرَوَاهُ الْمثنى بن بكر، عَن سُلَيْمَان بن جَابر، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا.
وَقَالَ: الْفضل بن دلهم عَن عَوْف، عَن شهر، عَن أبي هُرَيْرَة.
قلت: وَهَذَا اخْتِلَاف آخر، وَسليمَان بن جَابر هَذَا مَجْهُول الْعين وَالْحَال، لَا جَرَم جزم ابْنُ الصّلاح فِي مسلكه بضَعْفِهِ.

.الحديث الثَّانِي:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تعلمُوا الْفَرَائِض؛ فَإِنَّهَا من دِينكم، وَإنَّهُ نصف العِلْم، وَإنَّهُ أوَّلُ مَا يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتي».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من هَذَا الْوَجْه مَرْفُوعا: «يَا أَبَا هُرَيْرَة، تعلمُوا الْفَرَائِض وعلمِّوه».
وَقَالَ ابْن مَاجَه: «وعلِّموهاِ فَإِنَّهُ نصف الْعلم وَهُوَ يُنسى وَهُوَ أوَّلُ شيءٍ يُنْزَع من أمتِي».
لم يُضعفهُ الْحَاكِم، بل سكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَن فِي إِسْنَاده حَفْص بن عُمر بن أبي العطاف الْمدنِي، وَهُوَ واهٍ، ثمَّ رُمي بِالْكَذِبِ، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَأعله بِهِ ابْنُ حبَان فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء وَقَالَ: حَفْص هَذَا يَأْتِي بأَشْيَاء كلِّها مَوْضُوعَة، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بحالٍ. وأمَّا الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ أَلاَنَ القولَ فِيهِ؛ فَقَالَ فِي سنَنه: تفرد بِهِ حفصُ بن عُمر، وَلَيْسَ بالقويّ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث شهر بن حَوْشَب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «تعلمُوا الْقُرْآن والفرائض وعلموها النَّاس؛ فَإِنِّي امرؤٌ مَقْبُوض». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث فِيهِ اضْطِرَاب، وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَسدي، وَقد ضعفه أحمدُ بْنُ حَنْبَل وغيرُه.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ، فَقَالَ: يرويهِ عَوْف الأعرابيُّ، واخْتُلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ الْفضل بن دلهم عَن عَوْف عَن شهر عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَخَالفهُ ابْنُ بكر فَرَوَاهُ عَن عَوْف عَن سُلَيْمَان بن جَابر عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله مَرْفُوعا وَقَالَ أَبُو أُسَامَة: عَن عَوْف، عَن رجل، عَن سُلَيْمَان بن جَابر، عَن عبد الله عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يذكر أَبَا الْأَحْوَص، والمرسل أصح.
وأجْمَلَ ابْنُ الصّلاح القَوْل فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: رُوي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود، وَأَسَانِيده ضَعِيفَة.
فَائِدَة: حمل الرافعيُّ وغيرُه قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «إِنَّهَا نصف الْعلم» عَلَى أَن للْإنْسَان حَالَة حياةٍ وموتٍ، وَفِي الْفَرَائِض مُعظم الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِحَال الْمَوْت. قَالَ ابْن الصّلاح: وَيكون لفظ «النّصْف» هُنَا عبارَة عَن القِسْم الْوَاحِد وَإِن لم يتساويا، كَقَوْلِه:
إِذا مِتُّ كَانَ النَّاس نِصْفَانِ شَامِتٌ وَآخر مُثن بِالَّذِي كنتُ أصنَعُ وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: إِنَّمَا قيل لَهَا: «نصف العِلم» لِأَنَّهُ يُبْتَلى بِهِ النَّاس كلهم. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ.
وَقيل: لِأَن العِلم يُسْتَفَادُ بالنَّص تَارَة وبالقياس أُخْرَى، والعِلم بِاعْتِبَار أَصله صنْفان أَو نصْفان، وَهَذَا الْعلم مُسْتَفَاد مِنَ النَّص؛ فَكَانَ صِنْفًا أَو نِصْفًا بِهَذَا الِاعْتِبَار، وَإِن قيل: فِي الْفَرَائِض مَا ثَبت بِغَيْر نصٍّ. قُلْنَا: حُكْمها ثَبت بِهِ؛ فَكَانَ بِهِ الِاعْتِبَار. حَكَاهُ ابْنُ الرّفْعَة فِي مطلبه.
تَنْبِيه: حَدِيث عبد الله بن عَمْرو الْمَرْفُوع: «العلْم ثَلَاثَة، وَمَا سِوَى ذَلِك فَهُوَ فضل: آيةٌ مُحْكَمةٌ، أَو سُنَّةٌ قائمةٌ، أَو فَرِيضَة عادلةٌ».
خَرَّجه د، ق، وَفِيه عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الإفْرِيقِي وَفِيه ضَعْف، يدل عَلَى أَنَّهَا ثلث الْعلم، وَهُوَ يَنْتَظِم من جَعل «النّصْف» فِي الْخَبَر قبله بِمَعْنى القِسْم، حينئذٍ لَا يكون بَينهمَا تنَاقض، وَيجوز أَن يُقَال كَمَا قَالَه صَاحب الْمطلب إِنَّمَا جَعَل فِيهِ ثُلثا العِلْم يُستفاد بِالْكتاب والسُّنَّة وَالْقِيَاس، وَكلهَا ثَابِتَة بِالْكتاب، فَلذَلِك جعل ثُلُثًا.
قلت: قَوْله: «كلهَا» أَي: غالبها، وَإِلَّا فبعضها بالسُّنَّة.
قَالَ: وَيجوز أَن يُقَال: جُعِلتْ ثلثا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِن الله لم يَكِل قسم مواريثكم» الْخَبَر يَقْتَضِي أَن العِلْم يُستفاد بالنَّص من جِهَة الله والنبيِّ المرسَل والملَكِ المقرب، والفرائض محصورة فِي كتاب الله، فكانتْ لهَذَا الِاعْتِبَار ثُلُثًا.